سيدى عبد القادر الجيلانى

ورد العشاء التمجيد لسيدى عبد القادر الجيلاني

بسم الله الرحمن الرحيم

سُبْحان الله العظيم و بحمْده تسْبيحًا يليق بجلال من له السُبُحَاتِ، و الحمْد لله ربِّ العالمين حمْدًا كثيرًا يُوافي نِعمه و يدْفع نِقمه و يُكافىء مزيده على جميع الحالات، و لا إله إلَّا الله وحْده لا شريك له تَوْحيد مُحقَّقٍ مُخْلَصٍ قلْبه بحقِّ اليقين عن الشُّكوك و الظُّنون و الأوْهام و الشُّبهات، و الله أكْبر مِنْ أنْ يُحاط أو يُدْرك بلْ هُوَ مُدْركٌ و مُحيطٌ بكُلِّ الجِهات، و لا حَوْل و لا قُوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيمِ رفيع الدَّرجات،

إلهنا تعاظمْت على الكُبراء و العُظماء فأنْت العظيمُ الكبيرُ، و تكرَّمْت على الفُقراء و الأغْنياء فأنْت الغنيُّ الكريمُ، و مننْت على العُصاة مِنَّا و الطَّائعين بسِعة رحْمتك فأنْت الرَّحْمنُ الرَّحيمُ، تعْلم سِرِّنا و جهْرنا و أنْت أعْلم بنا مِنَّا فأنْت العليمُ، لا تدْبير للعبْد معْ تدْبيرك، و لا إرادة له معْ مشيئتك و تقْديرك، لولا وُجودك لَما كانت المخْلوقات، و لَوْلا حِكْمة صُنْعك لَما عُرفت المصْنوعات، خلقْت الآدميَّ و بلَوْته بالحسنات و السيِّئات، و أبْرزْته فِي هذه الدَّار لمعْرفتك، و حجبْته عنْ باطن الأمْر بظاهر المرْئيَّات، و كشفْت لِمنْ شئْت عنْ سِرِّ التَوْحيد، فبِهذا شهد الكَوْن و التَّكْوين و الكائنات، و أشْهدْته بِه حضرات قُدْسك و لطائف معاني سِرِّك الباطن في المظاهر و الظَّاهرة بأنْواع التجلِّيات،

إلهنا أيُّ كَيْدٍ للشَّيْطان فهُوَ ضعيفٌ معْ قُوَّتك و اقْتدارك، و أيُّ رَيْنٍ على القُلوب معْ ظُهور أنْوارك،

إلهنا إذا عمرْت قلْبًا اضْمحلَّ عنْه كُلُّ شَيْطانٍ، و إذا عنَيْت بعبْدٍ لم يكنْ لأحدٍ علَيْه سُلْطانٌ، اتَّصفْت بالأحديَّة فأنْت المَوْجود، و نَعَتَّ نفْسك بجلال الرُّبوبيَّة فأنْت المعْبود، و خلَّصْت ضِيق أرْواح من اخْتصصْت مِنْ رِبْق الأشْباح إلى فضاء الشُّهود، أنْت الأوَّل قبْل كُلِّ شَيْءٍ، و الآخر بعْد كُلِّ شَيْءٍ، و كُلُّ شَيْءٍ هالكٌ حادثٌ مفْقودٌ، لا مَوْجود إلَّا بوُجودك، و لا حياة للأرْواح إلَّا بشُهودك، أشرْت إلى الأرْواح فأجابتْ، و كشفْت عن القُلوب فطابتْ، فهنيئًا لهياكلٍ أرْواحها لك مجيبةٌ، و لِقوالب قُلوبها فاهمةٌ عنْك مُنيبةٌ إلَيْك،

إلهنا فطهِّرْ قُلوبنا مِن الدَّنس لتكون محلًّا لمُنازلات وُجودك، و خلِّصْنا مِنْ لَوْث الأغْيار لخالص تَوْحيدك، حتَّى لا نشْهد غَيْر أفْعالك و صِفاتك و تجلِّي عظيم ذاتك، فإنَّك أنْت الوهَّابُ المانحُ الهادي القادرُ الفاتحُ،

إلهنا إنَّ الخَيْر كُلَّه بِيَدك و أنْت واهبه و مُعْطيه، و عِلْمه مُغيَّبٌ على العبْد لا يدْري مِنْ أيْن يأْتيه، و طريقه مبْهمٌ مجْهولٌ علَيْه و أنْت دليله و قائده و مُهْديه، فخُذْ بنواصينا إلى ما هُوَ أحْسنه و أتَّمَّه، و خُصَّنا مِنْك بِما هُوَ أوْسعه و أخصُّه و أتتمُّه و أعمُّه، فإنَّ الأكُفَّ لا تُبْسط إلَّا للغنيِّ الكريم، و لا تُطْلب الرَّحْمة إلَّا مِن الغفور الرَّحيم، و أنْت المقْصود الَّذي لا يتعدَّاه مُرادٌ، و الكنْز الَّذي لا حدَّ له و لا نفادٌ،

إلهنا فأعْطنا فَوْق ما نُؤمِّل و ما لا يخْطر ببال، يا منْ هُوَ واهبٌ كريمٌ مُجيب السُّؤال، فإنَّه لا مانع لِما أعْطَيْت و لا مُعْطي لِما منعْت، و لا رادَّ لِما قضَيْت و لا مُبدِّل لِما حكمْت، و لا هادِيَ لِما أضْللْت و لا مُضلَّ لِمنْ هدَيْت، فإنَّك تقْضي و لا يُقْضى علَيْك، و لا ينْفع ذا الجدِّ مِنْك الجِدُّ، و لا مُقْعد لِمنْ أقمْت، و لا مُعذِّب لِمنْ رحمْت، و لا حِجاب لِمنْ عنْه كشفْت، و لا كُروب ذنْبٍ لِمنْ بِه عنَيْت و عصمْت، و قدْ أمرْت و نهَيْت، و لا قُوَّة لنا على الطَّاعة و لا حَوْل لنا عن المعْصية إلَّا بِك، فبِقُوَّتك على الطَّاعة قوِّنا، و بحَوْلك و قُدْرتك عن المعْصية جنِّبْنا، حتَّى نتقرَّب إلَيْك بطاعتك و نبْعد عنْ معْصيتك، و ندْخل فِي وصْف هِداية محبَّتك، و نكون بآداب عُبوديَّتك قائمين، و بجلال رُبوبيَّتك طائعين، و اجْعل ألْسنتنا لاهيةً بذِكْرك، و جوارحنا قائمةً بشُكْرك، و نُفوسنا سامعةً مُطيعةً لأمْرك، و أجرْنا مِنْ مكْرك، و لا تُؤْمنَّا مِنْه حتَّى لا نبْرح لِعظيم عِزَّتك مُذْعنين، و مِنْ سطْوَة هَيْبتك خائفين، فإنَّه لا يأْمن مكْر الله إلَّا القَوْم الخاسرون، و أعذْنا اللَّهمَّ مِنْ شُرور أنْفسنا و رُؤْية أعْمالنا، و مِنْ شرِّ كَيْد الشَّيْطان، و اجْعلْنا مِنْ خواصِّ عِبادك الَّذين لَيْس له علَيْهم سُلْطانٌ، فإنَّه لا قُوَّة له إلَّا على منْ سلبْت عنْه نُور التَّوْفيق و خذلْته، و لا يقْرب إلَّا مِنْ قلْبٍ حجبْته بالغفْلة عنك و أمَتَّه و أهنْته،

إلهنا فما حيلة العبْد و أنْت تُقْعده، و ما وُصوله و أنْت تُبْعده، هل الحركات و السَّكنات إلَّا بإذْنك، و منْقلب العبْد و مثْواه إلَّا بعِلْمك،

إلهنا فاجْعل حركاتنا بك و سكناتنا لك و شُكْرنا لك، و اقْطعْ جميع جِهاتنا بالتَّوجه إلَيْك، و اجْعلْ اعْتمادنا فِي كُلِّ الأمور علَيْك، فمبْدأ الأمْر مِنْك و هُوَ راجعٌ إلَيْك،

إلهنا إنَّ الطَّاعة و المعْصية سفينتان سائرتان بالعبْد فِي بحْر المشيئة إلى ساحل السَّلامة أو الهلاك ، فالواصل إلى ساحل السَّلامة هُوَ السَّعيد المُقرَّب، و ذُو الهلاك هُوَ الشَّقيُّ المُبْعد المُعذَّب،

إلهنا أمرْت بالطَّاعة و نهَيْت عن المعْصِيَة و قدْ سبق تقْديرهما، و العبْد في قبْضة تصْريفك، زِمامه بِيَدك تقوده إلى أيُّهما أردت، و قلْبه بَيْن إصْبعَيْن مِنْ أصابعك تُقلِّبه كَيْف شِئْت،

إلهنا فثبِّتْ قُلوبنا على ما بِه أمرْت، و جنِّبْنا عمَّا نهَيْت، فإنَّه لا حَوْل و لا قُوَّة إلَّا بِك، سُبْحانك لا إله إلَّا أنْت خلقْت الخلْق قِسْمَيْن، و فرَّقْتهمْ فريقَيْن، فريقٌ فِي الجنَّة و فريقٌ فِي السَّعير، هذا حُكْمك فِيما سبق بِه قَسمُكَ، فهنيئًا لِمنْ سبقتْ له مِنْك العِناية و فاز بالقُرْب و الولاية، حُكْمك عدْلٌ، و تقْديرك حقٌّ، و سِرُّك غامضٌ فِي هذا الخلْق، و ما ندْري ما يُفْعل بِنا، فافْعلْ بِنا ما أنْت أهْله، و لا تفْعل بِنا ما نحْن أهْله، فإنَّك أهْل التَّقْوى و أهْل المغْفرة،

إلهنا فاجْعلْنا مِنْ خَيْر فريقٍ و ممَّنْ سلك الأيْمن فِي الطَّريق مِن الآخرة، و ارْحمنا برحْمتك و اعْصمْنا بعِصْمتك لِنكون مِن الفائزين، و دُلَّنا علَيْك لِنكون مِن الواصلين، { إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ }، { فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }، و حسْبنا الله و نِعْم الوَكيل، و صلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّدٍ السَّابق للخلْق نُوره، و الرَّحْمة للعالمين ظُهوره، عدد منْ مضى مِنْ خلْقك و منْ بقي، و منْ سعد مِنْهم و منْ شقي، صلاةً تسْتغرق العدَّ و تُحيط بالحدِّ، صلاةً لا غاية لها و أمد، و لا انْتهاء و لا انْقضاء، صلاتك الَّتي صلَّيْت علَيْه، صلاةً دائمةً بِدوامك و باقيةً ببقائك، لا مُنْتهى لها دُون عِلْمك، و على آله و صحْبه و عِتْرته، و سلِّمْ تسْليمًا مِثْل ذلك،

{ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى